الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية إلى أستاذة بنابل: عفوا، برامج البكائيّات لا تعالج بالرّاقصات الجميلات

نشر في  26 مارس 2014  (10:48)

إذا كان الشّاعر يعتبر «الأمّ مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيّب الأعراق»، فإنّ للمدرّس أو المدرّسة دورا أخطر (بمفهوم اللفظ في الفصحى) لا سيّما إذا كان طالب العمل في سنّ المراهقة، أي في مرحلة يسهل خلالها التأثير عليه وتطويع شخصيّته واستقطابه إلى هذا الاتجاه أو ذاك، وكلّما كان التأسيس مختلا ومخالفا لطبيعة الأشياء، ضلّ الطالب وانحرف.. لنأت الآن إلى مربض الفرس.. ففي إعدادية الطاهر بن عاشور بدار شعبان الفهري من ولاية نابل، وفي إطار فرض تأليفي انشاء طرحت أستاذة عربية الموضوع التالي:
«ضجرت من سيل الدّموع التي يستدرّها برنامج تلفزي، فأخذت تبحث عن أيّ قناة أجنبية تجلب لك المتعة والترفيه..
تحدّث عن ذلك وابرز افتتانك بروعة راقصات جميلات في حركات كلّها نعومة وتدفّق حيّ»!!
برامج العار والفضائح
ولئن كنّا مع الأستاذة الكريمة في ما ذهبت إليه في الجزء الأوّل ممّا اقترحت، إذ نرى ـ مثلها ـ أنّ ما يبثّ على بعض القنوات ضمن ما يعرف بـ«تلفزة الواقع» (والأصحّ بالنسبة إلينا «الواقع المزبّل»)، برامج  متخلفة وفي منتهى السخافة والسذاجة، فهل يعقل أن يحضر زوجان ليتراشقا بتهم تصل الى حدّ مؤاخذة طرف لآخر بالتقصير في الواجبات الجنسية؟! هل من الحياء أن ينشر على الملأ غسيل سلوك غريب شاذ عن قيمنا كقوم عرب مسلمين؟! (بالمناسبة لأنّي لم أشاهد ولو حصّة واحدة من هذه الحصص، أكتفي بعموميّات عنها).. وقد جرت العادة  ـ وفقا لما أفادني به أحد الزّملاء ـ  أنّ الحصّة عادة ما تكون مرفوقة بأغان «زعمه زعمه تسخف وتحمّم القلب»..
وإذا كان من «حقّ» بعض القنوات أن تبحث عن كلّ مادة تغري أكبر عدد ممكن من الناس، وإن كانت ملوّثة بالعار والفضائح، فليس ثمّة من يلام غير المواطنين الذين يستبيحون ما لا يباح، ولهم ما يؤهّلهم من الوقاحة و«صحّة الرّقعة» ليصبحوا أضحوكة يتندّر بها في المجالس ومضغة في أفواه العامّة، وهنا أستحضر بيتا عربيّا شهيرا: ذو العقل يشقى في النّعيم بعقله.. وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
لا إسراف ولا إجحاف
لئن كنت أؤيّد أستاذتنا في حكمها على برامج التعاسة والبكائيّات، فكم وددت لو أنّ موضوعها توقّف هناك، لا أن تدعو تلامذتها الى التسرية عن نفوسهم بمشاهدة «راقصات جميلات في حركات تفيض نعومة وتدفّقا حيّا»!! وليس ناقصا سوى أن تشير عليهنّ بمتابعة أشرطة جريئة أو خليعة أو إباحية.. هل أستاذتنا أم لها أطفال أم إنّها عزباء؟ إذا كانت أمّا، هل تقبل أن يطرح أستاذ عربيّة على أبنائها موضوعا يؤسّس للميوعة؟..
نحن في مجتمع وسطي، وبقدرما نعادي المتشدّدين ودعاة الغلوّ والتطرّف والرجعية والظلامية والجهل والتحجّر، نرفض كلّ شطط في الاتجاه المعاكس.. نحن بلاد جامع الزيتونة المعمور والطاهر بن عاشور الذي يحمل معهدكم إسمه (يا للصدف!) والفاضل بن عاشور والقيروان وعقبة بن نافع وصروح أخرى تشهد على تجذّر إرثنا الحضاري الإسلامي.. نحن شعب محافظ ومتفتّح في آن، محافظ في غير إسراف، ومتفتّح في غير استهتار ولا اجحاف ولا انحراف.. نحن وسطية واعتدال ومن عنّ له الجنوح الى غيرهما، فقد شدّ عنّا وغرّد خارج السرب..
أمّا وقد زلّ بأستاذتنا القلم، كم وددنا لو أنّ البديل كان برنامجا وثائقيا تثقيفيّا يغني المعارف، كنحو ما نرى على القناة الخامسة الفرنسية أو على «فرانس 24» أو غيرهما، فما أحوج ناشئتنا الى النّهل من كل المنابع التي تسمو بأذهانهم وتزيد زادهم المعرفي ثراء، فلن نذيع سرّا إذا قلنا انّ تلامذة اليوم يشكون فقرا مدقعا في الثّقافة العامّة، والثابت أنّ الرّاقصات الحسّان لسن الوصفة التي تعين على تداركه..

نجيب الخويلدي